کد مطلب:187332 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:250

و سلاحه البکاء (28)
ما أسهل علی المرء أن یهدم و یدمر، و ما أیسر أن یجتث شجرة معمرة من جذورها، ولكن ما أشق البناء، انه یحتاج الی فكر و تأمل و تدبر فالبناء تحكمه قوانین وزراعة الأشجار تحتاج الی صبر.

البناء بصیرة و فكر و تأمل، و العدم قوة عمیاء تتخبط كیف تشاء. انها محنة البناة فی زمن التداعیات.. فی زمن الانهیارات التی لا یوقفها شی ء.

لقد اختفت الروح التی كانت تحرك التاریخ و تصنع الانسان و استیقظت الغرائز لا.. بل انطلقت مجنونة فی زمن انطفأت فیه الشمس، فاذا لیل الجزیرة ینوء بظلمات بعضها فوق بعض.

و بین الفینة و الاخری تتألق حلقات من ضوء تستمد جذوتها من روح مشتعلة فی كربلاء.

هناك و علی شاطئ الفرات جرح یفور یتحدث بلغة عجیبة.

تبث الأرض أسرارها، و النفوس المقهورة تحلم بحیاة أفضل.

التاریخ یشعل الحوادث هنا و هناك.



[ صفحه 107]



فر الأرقط الی الشام تاركا العراقین خلف ظهره؛ تطارده روح الحسین.

الثمار تتساقط فی قبضة «ابن الزبیر» خلیفة الحجاز و العراق و مصر و أجزاء من الشام؛ و قد شبت النار فی داخل البیت الاموی، و ابن الزرقاء یستولی علی دمشق عاصمة الشام و یسترد مصر، ثم یموت مخنوقا فی فراشه، خنقته ام خالد التی تزوجها بعد هلاك یزید!!

كان عبدالملك جالسا یقرأ القرآن عندما بشر بموت أبیه و الخلافة... مرت لحظات صمت ثم أطبق المصحف و تمتم مخاطبا كتاب السماء:

- هذا فراق بینی و بینك.

و كشر الخلیفة الجدید عن أنیاب حادة و بدأ حربه من أجل استعادة الملك... فكان الأرقط قائده الأول فی حملة لاستعادة الأرض العراقیة، و تحرك جیش قوامه ثمانون ألف.

و فی الكوفة استیقظ الآلاف من خدر قدیم و أعلنوا توبتهم من اثم ارتكبوه قبل سنین. و كان «سلیمان بن صرد» رجل خزاعة زعیما للتوابین، و اشتعلت الثورة فی النفوس و التهبت الضمائر و تحرك أكثر من أربعة آلاف انتحاری صوب كربلاء كعبة الأحرار فی العالم؛ لتشهد تلك البقعة من دنیا الله أعظم مناحة فی التاریخ، فالثورة دماء و دموع، سیوف و ضمائر ملتهبة، أفكار و نفوس تتأجج بغضب سماوی. و هكذا ولد الحسین من جدید سیفا.. قرآنا.. صهیلا مخزونا



[ صفحه 108]



من لحظة عاشوراء.

المعارك تشتعل فی كل مكان و قد غادرت السیوف أغمادها ولكن هناك معركة فی میدان عمیق... معركة فی داخل النفس البشریة لم یحسم الصراع فیها بعد.

منذ هزیمة الروح فی شاطئ الفرات بصفین.. منذ ذلك التاریخ و الضمیر المثقل بالخدر یعانی حمی الانتفاض، و لقد انبعثت نافورة الدماء بكربلاء لتطهر النفوس و تبعث الحیاة فی الرماد. فی لحظة تشبه یوم القیامة فی لحظات المعاد.

و هكذا أراد الحسین... رسم بدمه ملحمة الموت من أجل الحیاة، و الفارس الذی حطم جدار الزمن ما یزال یقاتل.

أصداء صهیل فی عاشوراء تدوی فی النفوس.. تنتزع من قلب الشتاء الربیع، و من رحم الموت الحیاة؛ و من أجل هذا كان علی لا یفتأ یبكی أباه.

الدموع ینبوع یغسل القلوب... یطهر الضمائر من كل أدران الحیاة... و عندها ینبعث الحسین.



[ صفحه 109]